Apr 27, 2011

واسيني الأعرج: إننا نملك ذخائر عظيمة، لكنها تمر أمامنا كالهواء


حاورته: منى كريم

واسيني الأعرج روائي يترك لروحه أن تختار حريتها المطلقة رغماً عن "حراس النوايا" كما يسميهم، لطالما كان اسماً مختلفاً في التجربة الجزائرية انطلاقاً من كونه يكتب باللغة العربية، كما قد درسها سابقاً على خلاف أغلب كتاب المغرب العربي. ضمن فعاليات مهرجان القرين قابلت الكثير من المثقفين الذي كانوا على خلاف ما نعرف عنهم، فاكتشف مثلاً من يملك قدرة على الكلام بشكل ثرثار و هو ما يرجع إلى الاعتماد على الذاكرة – التي تتميز بها العقلية العربية -، لقد سألني أحدهم: كم تريدين مدة كل إجابة، دقيقة أم 5 دقائق؟!! فعرفت فوراً أنه رغم اسمه الناصع مجرد "آلة حكي". لكن واسيني الأعرج كان يتكلم معي بعفوية وبساطة تميزه، ليتعلم منه "الكواتيب".


- هل ترى أن الرواية العربية باعتبارها صنف أدبي قد تتخلص ذات يوم من فكرة أدب الحرب و الخوف من أشباح العنف ؟

على العكس من ذلك، فالرواية العربية في صُلب الحرب لأننا في دوامة عنف، سواء كان العنف الاجتماعي الذي نعيشه، أو غياب الديمقراطية، المظالم اليومية، الصراعات الثقافية، الدينية الذهنية، الدولية .. كلها تفرض على الرواية العربية نوع من العنف بل و توجهه، لذلك من الصعب الحديث عن رواية تقع خارج العنف. بالتأكيد الاهتمام بالحروب قلّ بالنسبة للرواية فهي الآن منغرسة في عمق الفرد و انكساراته، لكن هذه الفردية لا تنفصل مطلقا عن هاجس الخوف اليومي الذي يراود الإنسان من الحروب، كما يحصل في بعض البلدان التي تقع على حافة الصراع كدول الخليج التي تمر بالحرب العراقية الاميركية. إذن من كل هذا نكتشف أن رواية العنف ما تزال تملك مبررات لوجودها، فالوصول إلى رواية خالية من هذه العوالم يحتاج لوقت و لانتشال الأسباب التي أدت إلى إنتاجها.


- بحكم تأثر التجربة الجزائرية بالتجربة الفرنسية . نجد أن الرواية الجزائرية تملك لغة شعرية عالية في روحها (مثال روايتك سيدة المقام) هل توافق على هذه الفكرة؟

صحيح أن الرواية الجزائرية متأثرة بالرواية الفرنسية سواء تلك المكتوبة باللغة الفرنسية أو حتى اللغة العربية، ففي الجزائر هنالك تأثر متأصل بما يترجم من الأدب الفرنسي لأن الإنسان الجزائري مزدوج اللغة، لا يجيد اللغة فقط بل ويتقنها عن حب، لذلك فأن التأثيرات واضحة، لكن رغم ذلك نجد التأثيرات الشعرية العربية بشكل قوي، فأنا أرى في الشعرية العربية حالة حنين وشوق، بالتالي العمل هنا هو اشتغال على اللغة العربية في حد ذاتها بغض النظر عن اللغة التي كـُتبت بها الرواية مما يُحتم على الكاتب أن لا يتعامل مع اللغة كمعطىٍ جاهز بمعنى أن يأخذ اللغة و يكتب بها، بل يتعامل معها كمعطىٍ متطور ففي حالة التطور هذي هو يضيف شيئاً ما إلى هذه اللغة بحيث يعطي اللغة العربية في الجزائر لمسة جديدة، خاصة أن الجزائر عاشت ظروفاً قاسية في السنوات العشر الأخيرة من قمع و منافٍ وحزن ويأس وقتل وإرهاب مما يولد لدى الإنسان كماً من الجنائزية اللغوية، فالإنسان حين يكتب يستظهر هذا الشيء الدفين فيه من همٍ فردي وذاتي وغيره. بالتالي أيّ لغة بامكانها إخراج هذا الدفين إذا لم نعتمد على اللغة الشعرية؟ فاستخدام اللغة الأدبية العادية لا يؤدي وظيفة، من الواجب أن نخدم اللغة، أن نخلق لغة تعبر عما نريده و يريده الآخر. و هنا أجد ميزة الرواية الجزائرية في أنها تشتغل على اللغة وهي ميزة مكتسبة من الثقافات الأخرى التي تساعدنا على العقلنة والجنون أيضاً.


- يحمل الإرث العربي زخماً كبيراً من الخطابية بمقابل الأعمال الأخرى التي أثرت في الموروث العالمي . ما أكثر نقطة شدتك لدراسة الأدب العربي و تفضيلك إياها على دراسة أدب أجنبي؟

أنا لا أتناول الأمور من باب الأفضلية، صحيح أن هنالك كم كبير من النصوص العربية التي نقرأها لا نستطيع أن تجد فيها شيئاً مميزاً إلا بشكل نادر، بينما نقرأ نصاً عالمياً يملؤنا بصدقه و إتقانه و قوته، كما قد نجد أعمالاً أجنبية عادية لا تشدنا بل ورتيبة و مكررة و أعمالاً أخرى عربية تلامسك بحيث تترك فيك شعور اصطياد طريدة لذيذة تجعلنا نقول كم أن هذه الحياة جميلة فيها أشخاص يملكون من الجمال ما يمنحك اللذة الاستثنائية – لذة الحب و الحياة - و السعادة . أحياناً أعود إلى نصوص أجنبية قديمة رائعة مثل رواية "السيد الرئيس"، أو إلى نيكوس كازانتزاكيس وروايته : زوربا، المسيح يصلب من جديد، الإغواء الأخير للمسيح، تقرير إلى غريكو – سيرة ذاتية – و التي ترجمها الشاعر ممدوح عدوان بشكلٍ راقٍ، فمثل هذه النصوص تجد جمالها في أنها تعطيك ثقة في حياتك .. من جهة أخرى هنالك نصوص عربية جميلة، مثلا كتاب الإشارات الإلهية لأبي حيان التوحيدي وهو عمل لرجل بيني وبينه عشرة قرون فأجد أنه يتكلم في فصل اسمه "الغريب" ويقول: "يا أيها الغريب إلى أين أنت ذاهب؟ أمامك ظلمة و وراءك خوف وفي داخلك قفص"، (بدهشة) أين الفروق بين التوحيدي و كاتب يكتب اليوم؟ إنني أشعر بأن هذا الكاتب جزءاً مني وكأنه يعبر عني رغم المسافة الفاصلة بيننا، لذا أقول أن النصوص العظيمة خالدة، نحن يجب أن نعرف كيف نقرأ، إننا نملك ذخائر عظيمة لكنها تمر أمامنا كالهواء.. ذخائر تخلق لنا علاقة فيها شيء من العقلانية بيننا و بين الحياة.


- نشعر أحياناً كثيرة بأن الأدب المغاربي يُنتج و له نقاده بعيداً عن القارئ المشارقي . برأيك ما السبب ؟

كلامك صحيح، فهنالك كما ذكرت تجربة مغاربية مغايرة لأنها تجربة متفتحة على الغرب، على العكس من التجربة المشارقية التي يتأصل فيها التراث و التي بامكانك أن ترى أحد كتابها يملك مساحة للتحاور مع التراث دون اعتبار هذا التراث عاملاً سلبياً، لكن المشكلة في العين التي تقرأ التراث، إن العين المغاربية تتصف بالعقلانية بينما المشارقية ملتبسة عدا بعض الاستثناءات، و بالطبع العامل اللغوي يلعب دور حيث أن اللغة العربية لوحدها لم تعد كافية فيجب على الإنسان أن يتفتح على لغات أخرى لكي يعيد قراءة تراثه بشكل سليم وحضارته وفكره فإذن نحن في وضعية إعادة قراءة للتراث ومحاولة الخلق الجديد، هذا يحدث في النقد المغاربي الذي يملك الأدوات للدخول لهكذا مواضيع بينما في المشرق النصوص لا تصل، باستثناء تلك المطبوعة في بيروت.. يجب أن يُفك الحصار على الكتاب ليصل إلى القارئ العربي، هل الطيور أفضل منّا و العصافير و الريح و النمل؟ إنها تمر بلا جوازات أو جمارك.. ليعتبرونا نمل و يسمحوا لنا بالمرور.. إنني أشعر بأن الحكومات العربية لا تريد أن تفهم رغم أن الثقافة هي التي تقوم بلّحم الشروخ. إننا في المغرب العربي تصلنا الكتب المشرقية ونقرأها ونتناولها لربما لأن مساحة الديمقراطية أوسع. أنا الآن موجود في مساحة أكثر عروبة على ما يبدو و هي (فرنسا) التي تدخلها كل النصوص العربية.


كيف ترى مستقبل "حراس النوايا"، هل بدأت أحذيتهم تضيق عليهم؟

- آه .. "حراس النوايا" .. أسوأ ما يمكن أن ينتجه مجتمع ما هم "حراس النوايا"، الجزائر انتجتهم بسبب اختلالات كثيرة في الثقافة و في قراءة خطر لهؤلاء الجماعات، الإشكالية لا تعود للدين فأنا أنا كنت في أسرة مسلمة وجيراننا مسيح وغيرهم يهود . لكن هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم جدار للدين الإسلامي هم أسباب المشكلة و هم بالضبط ينزلون تحت مسمى "الفاشية".. إن الفاشية ليست سوى اليقين بالرأي المطلق وحالة تشبث حول حقيقة معينة تجعلك الوحيد على حق وغيرك على خطأ.. لا نستطيع بناء مجتمع أو حياة بهذه الطريقة، لقد وصل الحال في الجزائر أن يقتل الأخ أخيه أو يقتل الابن أمه ويعتبرها فاجرة و فاسقة لأنها تحدثت مع جارهم الذي يعرفونه منذ 30 سنة. لقد كانت الجزائر تنبه بأن الخطر قادم فهي دفعت الثمن لكن الرد كان من الدول العربية أنها دعمت هذه الجماعات و مررتها عبر حدودها. لكنني أقول الحمدلله لأن كل ما يبنى على الظلم يُهدم، لقد خسرنا أكثر من 100 ألف إنسان بريء كانت محصلتهم أن الجزائر مازال فيها "حراس نوايا" بأظافر مُقلمة، إننا الآن نتنفس، والمرأة الجزائرية تخرج إلى الشارع دون خوف على خلاف تلك الفترة، إنني أشعر الآن بمعنى الشارع فهو دون امرأة غير موجود حيث تمثل الحياة و اللون.


- قلت ذات مرة أن النص رصد أو شاهد على الزمان و المكان، ألا تجد في هذه الفكرة بعض الرتابة، ألا ترى أن هنالك أهم من رؤية الرصد مقابل رؤية تختزل ما يريده الإنسان ؟

- طبعا ً، كلامك دقيق و صحيح . و لكن أنا حينما قلت هذا الكلام جاء على فكرة تقول أن النص منفصل عني و عن حركتي و أنه ينشى في دائرة مستقلة هي الأدب، قد ينشئ النص بهذا الشكل لكن اللغة و الأحداث من أين جاءت ؟ إنها وليدة وواقع اجتماعي محدد، أنا حينما أكتب عن الإرهاب أو سيدة المقام أو غيره فأنا داخل هذه الحركة المجتمعية لكن الكتابة أن لا تكررها بل تعطي الانطباع بوجودها، اتركني أعيش حالة إنسانية، و بصراحة النص الذي لا أعيش فيه حالة إنسانية ليس نصاً أدبياً مهما كان سجاليا سياسيا ثقافيا رغم حزن النص أو ما إلى ذلك، المهم هنا أن نشعر بالعمق بالجمال و بالإنسانية و بالتالي هذا النص يرصد للواقع الاجتماعي بل و يتخطاه، فهو ليس مجرد كاميرا، إنه كاميرا مشاركة في الفعل تُصور و تتحرك و تملك لها وجود و طريقة خاصة في التسجيل تجعلك تتساءل : لقد رأيت هذا الشيء لكنه هنا أجمل و أحلى ..

و هذا دور الكاتب في أن يكون بعيد عن التكرير و الرتابة كي يكتسب قيمته .


- واسيني الأعرج .. هل أنت حر ؟

- نعم . أتصور أني حُر و لن أقبل سوى أن أكون حراً لأني دفعت ثمن غالي، قد يكون رخيص بالمقارنة مع ما دفعه الناس الذين قتلوا، لقد استشهد والدي في الـ 57 في الثورة الوطنية و أُدين له بالكثير، رغم أنه كان يعيش حياة جميلة فضل تركها عند قيام الثورة فرجع إلى الجزائر و حمل السلاح و استشهد من أجل تعطشه للحرية رغم الحرية التي كان يتمتع بها في فرنسا . فحين أجيء أنا و أرى صورة والدي يجب أن لا أقبل بغير الحرية .. الحرية معتقلة ؟؟ هنالك وسائل للدفاع و المقاومة لا عبر العنف بل عبر أساليب أخرى مثل التي أملكها – قوة القلم – التي قد يتم كسره لكن أثره يبقى، فالقوة هنا قوة الكلمة التي لا تضاهى لأنها مرتبطة بالتاريخ . أنني أؤمن بأن الحرية كالطفل يجب أن تحميه و تربيه ففي أي لحظة قد يقتل خاصة إننا في عصر ديكتاتوريات مهيأة لكسر كل شيء خاصة الحرية . بالتالي من الجيد أننا أحرار، بل و أننا نعرف الحفاظ على الحرية .


أجري الحوار في العام 2005 - عن جريدة إيلاف الإلكترونية

Apr 17, 2011

سليمان البسام يدير محاكمة للواقع الكويتي وتحولاته




يواصل المؤلف والمخرج والمنتج سليمان البسام تفاعله الرائع مع جمهوره الواسع من مختلف الجنسيات عبر أعمال مبتكرة جديدة محورها قضايا حريات التعبيروحقوق الانسان، ويأتي عمله الجديد «ودار الفلك» امتداداً للإطار العام الذي وضعه هذا الفنان المبهر بأعماله ورئيس فرقة «سبب» لأعماله المسرحية المتتالية، ليكون هذا العمل مستوحي من مسرحية «الليلة الثانية عشرة» لوليام شكسبير الذي يحب أن يرتبط به البسام دائماً.وفي هذه المرة عاد البسام مشاركا في التمثيل على الخشبة حيث أخذ دور المخرج أيضاً ليلقي خطاباً مثيراً في بداية العمل يرمز فيه إلى المحاولات المتطرفة لإلغاء الذاكرة الكويتية. واعتمد البسام في هذه المسرحية على تقسيمها إلى نصفين، إذ يوضح كمخرج داخل العمل بأن «المسرحية داخل المسرحية» الموجودة ما هي إلا إعادة تقديم لعرض قديم يتم تشذيبه بطريقة ما، بعدما «هدى الله» الفنانين في إشارة إلى «الصبغة الدينية» وعلاقتها بالفنون، وبالتالي فإن النصف الأول من العمل يمر ثقيلاً على القلب وخالياً من الألوان من خلال شاشة تقدم مشاهدها بالأبيض والأسود ومن ثم إعادة تنفيذها بحيث يتحول الفستان إلى حجاب وتقاس المسافة بين الجنسين بشكل حذر.


أما في الجزء الثاني من العمل، فينطلق بعدما وجّـه البسام اتهاماً للجمهور باعتبارهم «متواطئين» من خلال صمتهم على ما يحصل من تعديات على الحدود العامة مثل الاختلاط والغزل والرقص لنشهد بعدها مشاهد ملونة لا حدود فيها لحرية الفنان في الإبداع والتعبير، ولربما هذا الجزء كان سلساً في بدايته خصوصاً من الناحية المرئية. ولا يأخذ البسام في هذا العمل دور المخرج فقط بل هو الراوي والمعلق المستمر على كل الأحداث، بل وانه يأخذ صوت الرقيب السياسي والديني حيث يقوم بتعقيم ممثليه حين يتجاوزون «الخطوط الحمراء المرسومة» مؤكداً في أحيان أخرى بأن المسرح الآن «لا يجرؤ على محاكاة الواقع وتحدي الماضي وطرح القضايا» وعليه بكل بساطة أن يكون استنساخياً ومكرراً فيما يقدمه.


الأمثلة التي يطرحها العمل على تضييق الحريات كثيرة من خلال مشاهد وتفاصيل وسطور كثيرة بمستويات متعددة ومهما كانت هذه الالتقاطات ساخرة ونقدية إلا أن بعضها لم يكن في مكانه لنشعر بأن الكاتب والمخرج يريد أن يخرج «كل ما لديه» من ملاحظات في هذا الشأن في عمل واحد، فكان الزخم كبيرا وبالتالي حمل مسرحيته أكبر مما تستطيع تحمله وهو ما كان واضحاً من خلال الإطالة والمباشرة في الطرح. وهذا لا يعني بأن البسام لم يعرف كيف يقدم حلولاً إخراجية خلال العمل فهي واضحة وبارزة في العمل بشكل جميل ولافت إلا أن وزن النص المكتوب / المنطوق سبب ارباكاً وغلب على اللغة المرئية للعرض.


الأداء من الناحية الأخرى، كان جميلاً إلى درجة بالغة ففريق العمل يحتوي على أسماء رصينة وكبيرة في المسرح العربي ومن بينهم فايز قزق وأمل عمران وكارول عبود المتألقون دائماً في أدوارهم، بينما أخذ فيصل العميري مساحة أكبر عن سابق أعماله مع البسام حيث قدم شخصيات مختلفة بشكل متقن، إلا أن الأداء الأفضل في هذا العرض قدمته الفنانة السورية نوار يوسف في دور «نشامي» التي أذهلت الجمهور بتقمصها لحالات مختلفة وتنقلها السلس من جزء إلى آخر في هذا العمل فلم يسبق لنا في الكويت أن نرى ممثلة تقدم دوراً متقناً وجريئاً ومتلوناً في الرقص والبكاء والغناء كما فعلت الفنانة السورية نوار التي تمثل بكل تأكيد مكسباً مهماً لفرقة «سبب» في أول عمل لها مع الفرقة إلى جانب الممثلين نصار النصار وفهد العبدالمحسن.


الأسلوب الجريء في المسرحية في الرقص وبعض الإيحاءات الجنسية جاءت لتؤكد الطرح الهادف خدمة للنص على غير ما اعتدناه في المسرح الكويتي، جرأة البسام صادمة لجيل جديد من الكويتيين لم يعتدها من المسرح الكويتي سواء كان النوعي أم التجاري، بل أن الذاكرة الكويتية استعادت ما قدمه «الجيل الذهبي» في المسرحيات الرصينة الجريئة التي قدموها في ما مضى، والتى أتت الرقابة الحكومية على تشذيبها بما يناسب الحدود الجديدة التي طرأت على المجتمع الكويتي في السنوات الأخيرة. وعرض «ودار الفلك» تقصدت هذه الجرأة بحكم أنها مسرحية تطرح مقارنة من واقع الفن الكويتي ولذلك كانت مشاهد الرقص وكلمات الغزل والإشارات الجسدية والجنسية كلها موظفة في إطار فني يخدم الشكل والمضمون.


يمكن أن نرى بوضوح أن عمل سليمان البسام يتخذ من التجربة الكويتية صوتاً للتجربة العربية الاوسع وصراع الفنان مع السلطة السياسية والدينية، ويبدو أن البسام استغرق وقتاً طويلاً في التقاط كل أشكال تضييق الحريات في طريقه لمحاكمة تعتمد على مقارنة الماضي بالحاضر، إلا أن الهم الكبير الذي حمله البسام لربما كان السبب في تغطية المضمون على الشكل في مواضع عدة، وطغيان الشكل في مواقع اخرى، لكن في النهاية يبقى هذا العمل الحدث الأنسب بلا نقاش ليقف الكويتيون في هذه المناسبة لطرح أسئلة مفصلية ومهمة عن واقعهم بدلاً من اقتصار الأمر على الاحتفالات التقليدية التي ليس من شأنها أن تدفعنا إلى الأمام.



- جريدة الراي